فصل: تفسير الآية رقم (17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (13):

{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)}
{استقاموا}
(13)- إِنَّ الذِينَ قَالُوا: رَبُّنَا اللهُ لا إِلَهَ غَيرُهُ، وَلا مَعْبُودَ سِوَاهُ، ثُمَّ ثَبَتُوا عَلَى تَصْدِيقِهِم بِذَلِكَ، وَلَمْ يَخْلِطُوا إِيمَانَهم بِشِرْكٍ أَوْ ظُلْمٍ، وَلَمْ يُخالِفُوا أَمْرَ اللهِ، أُولئِكَ لا خَوْفٌ عَلَيهِمْ فِيما يَسْتَقْبِلُونَهُ مِنْ أَمْرِهِمْ يَومَ القيامةا وَلا يَحزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوهُ وَرَاءَهُم في الدُّنيا.

.تفسير الآية رقم (14):

{أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14)}
{أولئك} {أَصْحَابُ} {خَالِدِينَ}
(14)- وََهَؤُلاءِ الذِينَ آمَنُوا باللها واستَقَامُوا عَلَى الإِيمَانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ، هُمْ أَصْحَابُ الجَنَّةِ يَخلُدُونَ فِيها أبداً، ثَواباً لَهُمْ مِنْ عِنْدِ اللها وَجَزَاءً لَهُمْ عَلَى مَا قَدَّمُوا مِنْ أَعْمَالٍ صَالِحَاتٍ فِي الدُّنيا.

.تفسير الآية رقم (15):

{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)}
{الإنسان} {بِوَالِدَيْهِ} {إِحْسَاناً} {فِصَالُهُ} {ثَلاثُونَ} {وَالِدَيَّ} {صَالِحاً} {تَرْضَاهُ}
(15)- بَعْدَ أَنْ أَمَرَ اللهَ تَعَالى عِبَادَهَ بالإِيمانِ بِهِ وَبِتَصْدِيقِ رَسُولِهِ، وبما جاءَ بِهِ مِنْ كِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ، والاستِقَامَةِ عَلَى الإِيمانِ، حَثَّ النَّاسَ عَلَى الإِحسَانِ إِلى الوَالِدَينِ فأَخبَرَ تَعَالَى: أَنَّهُ أَمَرَ الإِنسَانَ بالإِحسَانِ إِلى وَالديْهِ، وَبِالحُنُوِّ عَلَيهِما، وَجَعَلَ برَّهُما مِنْ أَفْضَلِ القُرُبَاتِ إِلى اللهِ، وَجَعَلَ عُقُوقَهُما مِنَ كَبَائِرِ الذُّنوبِ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالى سَبَبَ تَوصِيَتِهِ الإِنسَانَ بِبِرِّ وَالدَيهِ، فَقَالَ: إِنَّ أُمَّهُ قَاسَتْ في حَمْلِهِ مَشَقَّةً وَتَعَباً، وَقَاسَتْ في وَضعِهِ مَشَقَّةً وأَلماً، وَكُلُّ ذَلِكَ يَسْتَدعي مِنَ الإِنسانِ الشكرَ، واستِحقَاقَ التَّكريمِ، وَجَميلَ الصُّحْبَةِ. وَمُدَّةُ حَمْلِ الطّفْلِ، وفِطَامِهِ، ثَلاثُونَ شَهْراً تَتَحَمَّلُ فِيها الأٌمُ أَعْظَمَ المَشَاقِّ. حَتَّى إِذَا بَلَغَ الطّفْلُ كَمَالَ قُوَّتِهِ وَعَقْلِهِ، وَبَلَغَ أَربَعِينَ سَنَةً مِنْ عُمْرِهِ قَالَ: رَبِّ أَلْهِمْنِي وَوَفِّقْنِي إِلى شُكْرِ نِعْمَتِكَ التِي أَنْعَمْتَ بِها عَلَيَّ، وَعَلَى وَالِدَيَّّ، مِنْ صِحَّةِ جِسْمٍ، وَسَعَةِ عَيْشٍ، واجْعْلَنْي أَعْمَل عَمَلاً صَالِحا يُرضِيكَ عَنِّي لأَنَالَ مَثُوبَتَهُ عِنْدَكَ، وَاجَعْلِ اللهُمَّ الصَّلاحَ سَارِياً في ذُرِّيَّتِي، إِني تُبتُ إِليكَ مِنْ ذُنُوبِي التِي صَدَرتَ عَنِّي فِيما سَلَفَ مِنْ أَيَّامِي، وَإِنِّي مِنَ المُستَسلِمِينَ لأَمرِكَ وَقَضَائِكَ.
وَصِّينا- أَمَرْنا وَأَلزَمْنا.
كُرْهاً- ذَاتَ كُرهٍ وَمَشَقَّةٍ.
حَمْلُهُ وفِصَالُهُ- مُدَّةُ حَملِهِ وَفِطَامِهِ.
بَلَغَ أَشُدَّهُ- بَلَغَ كَمَالَ قُوَّتِهِ وَعَقْلِهِ.
رَبِّ أَوْزِعْني- يا رَبِّ أَلْهِمْنِي وَوَفّقْنِي.

.تفسير الآية رقم (16):

{أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)}
{أولئك} {أَصْحَابِ}
(16)- وَهؤلاءِ المُتَّصِفُونَ بِالصِّفَاتِ السَّابِقَةِ (التَّائِبُونَ إِلى اللهِ، المُنِيبُونَ إِليهِ، المُسْتَدْرِكُونَ مَا فَاتَ بِالتُّوْبَةِ والاسْتِغْفَارِ..) هُمُ الذِينَ يَتَقَبَّلُ اللهُ تَعَالى مِنْهُمْ أحسَنَ مَا عَمِلُوهُ في الدُّنيا، وَيَصْفَحُ عَنْ سَيِّئاتهِمْ فَيَغْفِرُ لَهُمُ الكَثيرَ مِنَ الزَّلَلِ الذِي صَدَرَ مِنْهُم فِي حِيَاتِهم الدُّنيا، ولمْ يَتَرسَّخْ فِعْلُهُ في نُفُوسِهِم، وَيَقْبَلُ القَليلَ مِنَ العَمَلِ. وَهُمْ في عِدادِ أَهْلِ الجَنَّةِ تَحقيقاً للوَعْدِ الصِّدْقِ الذِي وَعَدَهُمْ بِهِ رَبُّهم فِي الدُّنيا، وَلا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ أَبداً.
(وَرُوِيَ أَنَّ هذهِ الآيةَ نَزَلَتْ في سَعْدِ بنِ أَبي وَقَّاصٍ.
وَرُوِيَ أَيْضاً أَنَّها نَزَلَتْ في أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. والآيَةُ تَنْطَبِقُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ فَهُوَ مُوصىً بِوالِدَيهِ، مَأْمُورٌ بِشُكْر أَنْعُمِ الله عَلَيهِ وَعليهِما، وَبأَنْ يَعْمَلَ صَالِحاً، وَأَنْ يَسْعَى في إِصْلاحِ ذُرِّيَّتهِ، وَأَنْ يَدْعُوَ اللهَ أَنْ يُوِّفقَهُ إِلى عَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ).

.تفسير الآية رقم (17):

{وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17)}
{لِوَالِدَيْهِ} {آمِنْ} {أَسَاطِيرُ}
(17)- بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ تَعَالى حَالَ البَرَرَةِ الصَّالحينَ، وَما أَعَدَّهُ لَهُمْ مِنَ النَّعِيم في الدُّنيا وَالآخِرَةِ، جَاءَ عَلَى ذِكْرِ الأَشْقِيَاءِ أَهْلِ العُقُوقِ لِلْوَالِدَينِ، المُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ والنُّشُورِ، فَأَخْبَرَ تَعَالى: أَنّ الذِي أَجَابَ وَالديهِ حِينَما دَعَواهُ إِلى الإِيمَانِ باللهِ والإِقْرارِ بالبَعْثِ وَالحِسَابِ: أُفٍّ لَكُما، أَتَقُولانِ إِنَّني سأُبْعَثُ مِنْ قَبْرِي حَيّاً بَعْدَ مَوتِي، وَبَعْدَ أَنْ أَصِير تُراباً وَرَمِيماً؟ إِنَّ هَذا لأَمْرٌ لا يُصدَّقُ، فَهذِهِ أَجْيَالٌ مِنَ البَشَرِ مَضَتْ، وَأُمَمٌ قَدْ خَلَتْ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا أَحَدٌ، وَلَوَ كُنْتُ مَبُعُوثاً بَعْدَ مَوتي لَكَانَ بُعِثَ مَنْ مَضَى مِنَ الأُمَمِ الغَابِرَةِ. وَقَدِ استَغَاثَ وَالِدَاهُ بِاللهِ استِعْظَاماً لجُرمِهِ، وَقَالا لَهُ، وَهُما يَحُثَّانِهِ عَلَى الإِيمَانِ بِاللهِ: هَلَكْتَ إِنْ لَمْ تُؤْمِنْ بِما وَعَدَ اللهُ مِنَ المَعَادِ مِنْ بَعْدِ المَوتِ، ثُمَّ بِالحِسَابِ وبِالجَزَاءِ عَلى الأَعْمالِ، فَوَعْدُ اللهِ حَقٌ لا شَكَّ فِيهِ، واللهُ تَعالى لا يُخْلِفُ وَعْدَه أبداً. وَيَرُدُّ الوَلَدُ عَلى نَصِيحَةِ وَالِدَيهِ قَائِلاً: إِنَّ مَا يَقُولانِهُ لَهُ إِنْ هُوَ إِلا شَيءٌ مِمَّا سَطَّرهُ الأَوَّلُونَ مِنْ أَبَاطِيلهِمْ، وَلا ظِلَّ لَهُ مِنَ الحَقِيقَةِ.
أُفٍّ لَكُما- أفٍّ كَلِمَةُ تَضَجُّرٍ وَتَبَرُّمٍ بِما يَقُولانِ. وَهِيَ اسْمُ فِعْلٍ مُضَارِعٍ.
أَنْ أُخْرَجَ- أَن أُبْعَثَ مِنْ قَبْرِي بَعْد أَنْ تَصِيرَ عِظامي رَميماً.
خَلَتِ القُرُونَ- مَضَتِ الأُمَمُ وَلَمْ تُبْعَثْ.
وَيْلَكَ- هَلَكْتَ، وَهِيَ هُنَا تَعنِي حَثَّهُ عَلَى الإِيمَانِ.
أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ- قَصَصُ الأَوَّلِينَ وَخُرَافَاتُهُمْ المَسْطُورَةُ في كُتِبِهمْ.

.تفسير الآية رقم (18):

{أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)}
{أولئك} {خَاسِرِينَ}
(18)- وَهؤُلاءِ الذِينَ اتَّصفُوا بِصَفاتِ أَهْلِ الكُفْرِ بِاللهِ، والعُقُوقِ لِلوالِدَينِ، يُصَنَّفُونَ في زُمْرَةِ أَمَثَالِهِم مِنَ الكَافِرينً مِنْ أُمَمٍ قَدْ مَضَتْ قَبْلَهُمْ مِنَ الإِنْسِ وَالجِنِّ، فَحَقَّتْ عَلَيهِم عُقُوبَةُ اللهِ وَعَذَابُهُ، لأَنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ إِذِ اشتَرَوا الضَّلالَةَ بِالهُدَى.
حَقَّ عَلَيهِم القَوْلُ- وَجَبَ عَلَيهِمْ وَعِيدُ اللهِ.
قَدْ خَلَتْ- مَضَتْ وَتَقَدَّمَتْ.

.تفسير الآية رقم (19):

{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19)}
{دَرَجَاتٌ} {أَعْمَالَهُمْ}
(19)- وَلِكُلٍّ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، يَوْمَ القِيَامةِ، مَنَازِلُ تُنَاسِبُ أَعْمالِهم، وَلا يَظلِمُهم اللهُ شَيئاً: فَلا يَزيدُ فِي سَيِّئَاتِهم، وَلا يَنقصُهُم شَيئاً مِنْ حَسَناتِهم.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)}
{طَيِّبَاتِكُمْ}
(20)- ويَومَ القِيامَةِ يُوقَفُ الذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ، وَيُقَالُ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيعِ والتَّأْنِيبِ: إِنَّ كُلَّ ما قُدِّر لَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ والنَّعِيمِ قدِ استَمْتَعْتُمْ بِهِ، واستَوفَيْتُمُوهُ في حَيَاتِكُمُ الدُّنيا واستَهْلَكْتُمُوهُ فِيها، ولم يَبْقَ لَكُم شَيءٌ مِنَ المُتَعِ واللَّذَّاتِ. وَهكَذَا لَم يَبْقَ لَكُمْ شَيءٌ في الآخِرَةِ تَنَالُونَهُ غيرُ الخِزْيِ وَالإِهَانةِ، جَزَاءً لَكُمْ عَلى استِكْبَارِكُمْ عَنِ اتِّباعِ الحَقِّ، وَعَلى فسْقِكُم وَخُرُوجِكُم عَنْ طَاعَةِ رَبِّكُمْ.
الفِسْقُ- الخُروجُ عَنِ الطَّاعَةِ.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21)}
(21)- ويُسَلِّي اللهُ تَعَالى رَسُولَه الكَريمَ عَمَّا يُلاقِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْمِهِ لَهُ، واسْتِهْزَائِهِمْ بهِ، وَيُذَكِّرُهُ بِقَصَصِ الأَنبِيَاءِ الذِينَ قَبْلَهُ، فَكَذَّبَهمْ أَقْوامُهُم، وَاسْتَهْزَاؤوا بِهِمْ فَجَاءَ نَصْرُ اللهِ فَنَجَّى الرُّسُلَ وَالذِينَ آمَنُوا، وأَهْلَكَ المُجْرِمينَ.
وَهُنَا يَبْدَأُ تَعَالى بِسَرْدِ قِصَّةِ هُودٍ، عَلَيهِ السَّلامُ، مَعَ قُومِهِ عَادٍ، وَقَدْ كَانوا يَسْكُنُونَ الأَحْقَافَ في مِنْطَقَةِ حَضْرَمَوْتَ، جَنُوبيِّ الجَزِيرَةِ العَرَبيَّةِ، فَقَدْ بَعَثَهُ اللهُ إِليهِمْ فَدَعَاهُم إِلى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَذَكَّرَهُمْ بِأَنْعُمِ اللهِ عَلَيهِم، وَبِما مَنَّ عَلَيهِمْ بِهِ من قُوَّةٍ وَغِنىً، وَكَثْرَةِ عَدَدٍ، وَأَنذَرَهُمْ بَأسَ اللهِ الشَّدِيدَ وَعِقَابَهُ إِن أَقَامُوا عَلى كُفْرِهم وَظُلْمِهِمْ. وَقَدْ أَرْسَلَ اللهُ قَبْلَ هُودٍ رُسُلاً آخرِينَ دَعَوا أَقْوَامَهُم إِلى الإِيمانِ باللهِ، وَأَنْذَرُوهُمْ عَذَابَ اللهِ إِنْ أَصَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ، وَحَثُّوهُمْ عَلَى الإِقْلاعِ عَنِ الشِّرْكِ بِاللهِ، وَعَلى إِفرادِهِ تَعَالى بِالأُلُوهِيَّةِ وَحْدَهُ. وَقَالَ هُودٌ لِقَوْمِهِ نَاصِحاً: إِنِّي أَخَافُ عَلَيكُم عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمِ الهَوْلِ، هُوَ يَوْمُ القِيَامَةِ إِذا أَصَرُّوا علَى كَفْرهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ.
الأَحْقَافُ- فِي جَنُوبيِّ الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ- حَضْرَ مَوْتُ.

.تفسير الآية رقم (22):

{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22)}
{آلِهَتِنَا} {الصادقين}
(22)- فَرَدُّوا عَليه قَائِلِينَ: أَجِئتَنَا لِتَصْرِفَنَا عَنْ عِبَادَةِ آلهِتنا إِلى عِبَادةِ رَبِّكَ الذِي تَدْعُونا إِليهِ، فَعَجِّلْ لَنَا بِإِنْزَالِ العَذَابِ عَلَينا، إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقينَ في وَعِيدِكَ لَنا (وَهُوَ أَنَّ رَبَّكَ سَيُنْزِلُ عَلينا عَذاباً مُدَمِّراً مُهْلِكاً يُبِيدُنا بهِ إِذا ما بقينا مُقِيمِينَ عَلَى عِبَادَةِ أَصْنَامِنا).
لِتَأْفِكَنَا- لِتَصْرِفَنا.

.تفسير الآية رقم (23):

{قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23)}
{أَرَاكُمْ}
(23)- فَقَالَ لَهُم هُودٌ عَلَيهِ السَّلامُ: إِنَّ اللهَ هُو الذِي يَعْلَمُ إِنْ كُنْتُمْ تَسْتَحِقُّونَ العَذَابَ، وَهُوَ القَادِرُ عَلى إِنزالِهِ بِكُمِ، وَهُوَ العَالِمُ بالوَقْتِ الذِي يُنزِلُهُ بِكُم إِنْ شَاءَ، أَمَّا أَنَا فَمَهَمَّتِي هِيَ إِبْلاغُكُمْ ما أَرْسَلَنِي بهِ إِليكُم، وأَنا لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُعجِّلَ العَذَابَ الذِي تَطْلُبُونَهُ، وَلا أَقدِرُ عَليهِ، وإِنِّي أَعْتَقِدُ أَنَّكُم قَوْمٌ تَجْهَلُونَ مَهَمَّةَ الرَّسُولِ، ولِذَلِكَ طَلَبتُمْ مِنّي أَنْ أُعَجَّلَ لَكُمُ العَذَابَ، كَمَا أَنِّي أَعتَقِدُ أَنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ عَظَمَةَ اللهِ وَقُدْرَتَهُ وَشِدَّةَ بَأسِهِ، لِذَلِكَ طَلبتُمْ تَعْجِيلَ إِنْزالِ العَذَابِ بِكُمْ، والعَذَابُ لا يَطْلُبُ عَاقِلٌ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ.

.تفسير الآية رقم (24):

{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24)}
(24)- وَكَانَ اللهُ تَعَالى قَدْ حَبَسَ المَطَرَ عَنْ عَادٍ مُدَّةً مِنَ الزَّمَنِ، حَتَّى اشتَدَّ بِهِم العَطَشُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِليهِمْ غُيُوماً كَثِيفَةً اتَّجَهَتْ إِلى أودِيَتِهِمْ فَفَرِحَ بها قَوْمُ عَادٍ، واستَبْشَرُوا ظَنَّاً مِنْهُمْ أَنَّها سَحَائِبُ تَحمِلُ المَطَرَ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هذا سَحَابٌ سَيُمْطِرُنا.
وَقَالَ لهُمُ اللهُ تَعَالى (أَوْ قَالَه لَهُمْ هُودٌ عَليهِ السَّلامُ).
بَل هُوَ العَذَابُ الذِي استَعْجَلْتُم بإِنْزَالِهِ بِكُم، حِينَ قُلْتُمْ لِرَسُولِكُم {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} إِنَّهُ رِيحٌ تحمِلُ إِليكُمْ عَذاباً مُهْلِكاً شَدِيدَ الإِيلامِ.
عارِضاً- سحاباً يَعْرِضُ فِي الأُفُقِ.